الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
ولم يستريثوك حتى رمي *** ت فوق الرجال خصالاً عشارا على أن عشار المعدول عن عشرة قد جاء في قول الكميت. والمسألة مفصلة في الشرح. قال الحريري في درة الغواص: روى خلف الأحمر أنهم صاغوا هذا البناء متسقاً إلى عشار، وأنشد عليه ما عزي إلى أنه مصنوع ومنه: مجزوء الرمل قل لعمرك يا ابن هند *** لو رأيت اليوم شنا لرأت عيناك منهم *** كل ما كنت تمنى إذ أتتنا فيلق شه *** باء من هنا وهنا وأتت دوسر والمل *** حاء سيراً مطمئناً ومشى القوم إلى القو *** م أحاد وأثنى وثلاثاً ورباع *** وخماساً فاطعنا وسداساً وسباع *** وثماناً فاجتلدنا وتساعاً وعشار *** فأصبنا وأصبنا لا ترى إلا كمي *** قاتلاً منهم ومنا ودلائل الوضع في هذه الأبيات ظاهرة. وكان خلف الأحمر متهماً بالوضع. وشن: قبيلة. والفيلق: الجيش، وأنثه باعتبار الكتيبة. وهنا - بالفتح اسم إشارة للقريب. ودوسر: كتيبة للنعمان بن المنذر. والملحاء: كتيبة أيضاً لآل المنذر. وترجمة الكميت قد مضت في الشاهد السادس عشر. قال ابن السيد في شرح شواهد أدب الكاتب: ومعنى يستريثوك يجدونك رائثاً، أي: بطيئاً، من الريث وهو البطء. ورميت: زدت، يقال رمى على الخمسين وأرمى، أي: زاد. يقول: لما نشأت نشء الرجال أسرعت في بلوغ الغاية التي يطلبها طلاب المعالي، ولم يقنعك ذلك حتى زدت عليهم بعشر خصال، فقت السابقين وأيأست الذين راموا أن يكونوا لك لاحقين . انتهى. ووقع في رواية ابن جني في الخصائص علوت موضع رميت. وروى أبو جعفر النحاس: حتى أتيت خلف الرجال خلالاً عشارا وروى الحريري في الدرة: نصالاً، والأول هو الصحيح. وهذا البيت من قصيدة للكميت، يمدح بها أبان ابن الوليد بن عبد الملك بن مروان وقبله: المتقارب رجوك ولم يبلغ العمر من *** ك عشراً ولا نبت فيك اتغارا لأدنى خس وزكاً من سنيك *** إلى أربع فبقوك انتظارا وبعده بيت الشاهد. يقول: تبينوا فيك السؤدد لسنة وسنتين من مولدك فرجوا أن تكون سعيداً أميراً مطاعاً رفيع الذكر ولم تبلغ عشرين سنة. وقوله ولا نبت فيك اتغارا أي: أثغرت ولم تنبت أسنانك بعد. في الصحاح: وإذا سقطت رواضع الصبي قيل: ثغر فهو مثغور، فإذا نبتت قيل: اتغر، وأصله اثتغر فقلبت الثاء تاء ثم أدغمت، وإن شئت قلت اثغر يجعل الحرف الأصلي هو الظاهر . وقوله لأدنى خس وزكاً الخسا - بفتح الخاء المعجمة -: الفرد، والزكا - بفتح الزاي المعجمة -: الزوج، وخسا وزكا ينون ولا ينون، والمعنى أنهم رجوك أن تكون كذلك لأقل ما يعبر عنه بخسا وزكا، وهو سنة وسنتان، إلى أن سار لك أربع سنين، فظهر للناس ما دلهم على ما رجوه منك وتفرسوك عند كمال سنك وقله فبقوك أي: انتظروك يقال بقوت الشيء إذا انتظرته، ومنه يقال للمؤذنين بقاة لأنهم ينتظرون أوقات الصلاة. وانتظاراً منصوب بقوله بقوك لأنه في معنى انتظروك انتظاراً. وأنشد بعده: وهو وهو من أبيات سيبويه: إلا غلالة وبد *** هة سابح نهد الجزاره على أن المضاف يحذف مع دلالة ما أضيف إليه من تابع ذلك المضاف إليه. ذكر الشارح المحقق في باب الإضافة أن هذا مذهب المبرد، وأيده بما ذكره هناك على مذهب سيبويه، وهو أن علالة مضاف إليه المجرور الظاهر، وبداهة في الأصل مضاف إلى ضميره، والتقدير: إلا علالة سابح وبداهته، ثم حذف الضمير وجعل بداهة بين المتضايقين، إلى آخر ما ذكره. وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى. وهذا البيت من قصيدة للأعشى يخاطب شيبان بن شهاب، منها: وهناك يكذب ظنكم *** أن لا اجتماع ولا زيارة ولا براءة للبري *** ء ولا عطاء ولا خفارة إلا علالة وبد *** هة سابح نهد الجزارة إلى أن قال: ولا نقاتل بالعصي *** ولا نرامي بالحجارة يقول: إذا غزوناكم علمتم أنظنكم بأننا لا نغزوكم كذب، وهو زعمكم أننا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح غازين لكم، ومن كان بريئاً منكم لم تنفعه براءته، لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء كما يلحق المسيء، يريد أننا ننال منكم من المسيء والبريء بما تكرهون، ولا نقبل منكم عطاء ولا نعطيكم خفارة تفتدون بهما منا. والخفارة - بالضم والكسر -: الذمة، قال في المصباح: خفر بالعهد من باب ضرب وفي لغة من باب قتل، إذا وفى به. وخفرت الرجل: حميته وأجرته من طالبه، والسم الخفارة - بضم الخاء وكسرها - . وقوله إلا إعالة استثناء منقطع من قوله لا اجتماع أي: لكن نزوركم بالخيل. والعلالة - بضم العين المهملة -: بقية جري الفرس وبقية كل شيء أيضاً، وهو من التعلل بمعنى التلهي. والبداهة - بضم الموحدة -: أول جري الفرس، وأو للإضراب. ووقع في رواية ابن جني في سر الصناعة والخصائص تقديم بداهة فهو على هذا لأحد الشيئين. والسابح: الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو، ويروى بدله القارح وهو من الخيل: الذي بلغ أقصى أسنانه، يقال قروح ذو الحافر يقرح بفتحهما قروحاً: انتهت أسنانه، وذلك عند إكمال خمس سنين. والنهد - بفتح النون -: المرتفع. والجزارة - بضم الجيم -: الرأس واليدان والرجلان، وهذا في الأصل فيما يذبح، وسميت بذلك لأن الجزار يأخذها في مقابلة ذبحها، كما يقال أخذ العامل عمالته - بالضم -، فبقي هذا الاسم عليها. يريد أن عنقه وقوائمه طولاً وارتفاعاً، فإنه يستحب في عنق الخيل الطول واللين. وقد فرق سليمان بن ربيعة بين العتاق والهجن بالأعناق، فدعا بطست من ماء فوضعت بالأرض، ثم قدمت الخيل إليها واحداً واحداً، فما ثنى سنبكه وهو مقدم الحافر ثم شرب وهو هجنه، وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقاً، وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً، فهي لا تنال الماء على تلك الحالة حتى تثني سنابكها - ويستحب أيضاً أن يكون ما فوق الساقين من الفخذين طويلاً فيوصف حينئذ بطول القوائم. قال الشاعر: الخفيف شرحب سلهب كأن رماح *** حملته وفي السراة دموج والسرحب و السلهب ، كلاهما على وزن جعفر، بمعنى الطويل. والسراة - بفتح المهملة -: أعلى الظهر. والدموج: دخول بعض الشيء في بعضه من شدته واكتنازه، وأما الساقان فيستحب قصرهما. وقال الشاعر: المتقارب له متن عير وساقا ظليم العير: الحمار الوحشي. والظليم: ذكر النعام، كذا في أدب الكاتب لابن قتيبة، وبه يعلم سقوط قول الشنتمري: النهد: الغليظ، والجزارة: الرأس والقوائم ويستحب غلظهما مع قلة لحمهما . وأوهى منه قول الجوهري وتبعه صاحب العباب ونقله العيني: إذا قالوا فرس نهد وعبل الجزارة فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبهما، ولا يدخل الرأس في هذا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل . وخبط المطرزي في شرح المفصل خبط عشواء فقال: يعني كنا في سفر وحرب انقطع فيها جميع الأفراس عن السير، ولم يبق لها جري إلا علالة وبداهة فرس سابح . هذا كلامه، وكأنه لم يقف على ما قبله من الأبيات. وقوله ولا نقاتل بالعصي إلخ يصف قومه بأنهم أصحاب حروب يقاتلون على الخيل، لا أصحاب إبل يرعونها فيقاتل بعضهم بعضاً بالعصي والحجارة. والأعشى كنيته أبو بصير، واسمه ميمون ابن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وكان أبوه قيس يدعى قتيل الجوع: وذلك أنه كان في جبل فدخل غاراً فوقعت صخرة من جبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعاً. وكان الأعشى من فحول شعراء الجاهلية وممن قدم على سائرهم، سلك في شعره كل مسلك، وقال في أكثر أعاريض العرب، وليس ممن تقدم من الفحول أكثر شعراً منه. وسئل ابن أبي حفصة: من أشعر العرب؟ شيخا وائل: الأعشى في الجاهلية والأخطل في الإسلام. وسئل يونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكني أقول: أمرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب. وهو أول من سأله بشعره. وكانوا يسمونه صناجة العرب لجودة شعره. وكان أبو عمرو ابن العلاء بفخم منه ويعظم محله ويقول: شاعر مجيد، كثير الأعاريض والافتنان. وإذا سئل عنه وعن لبيد قال: لبيد رجل صالح والأعشى رجل شاعر. وروى المفضل بسنده عن الشعبي: قال عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده: أدبهم برواية شعر الأعشى، فإنه - قاتله الله - ما كان أعذب بحره وأصلب صخره!. قال المفضل: من زعم أن أحداً أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر. وكان الأعشى يفد على الملوك لاسيما ملوك فارس، ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره، قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: وكان الأعشى جاهلياً قديماً وأدرك الإسلام في آخر عمره، ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبة، فسأله أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد، فقال: أردت محمداً. قال: إنه يحرم عليك الخمر والزنى والقمار. قال: أما الزنى فقد تركني ولم أتركه، وأما الخمر فقد قضيت منها وطراً، وأما القمار فلعلي أصيب منه عوضاً. قال: فهل لك إلى خير من هذا؟ قال: وما هو؟ قال بيننا وبينه هدنه فترجع عامك هذا، وتأخذ مائة ناقة حمراء، فإن ظفر بعد ذلك أتيته، وإن ظفرنا كنت قد أصبت من رحلتك عوضاً. فقال: لا أبالي! فأخذه أبو سفيان إلى منزله وجمع عليه أصحابه وقال: يا معشر قريش، هذا أعشى قيس، ولئن وصل إلى محمد ليضربن عليكم الأرض قاطبة. فجمعوا له مائة ناقة حمراء، فانصرف فلما صار بناحية اليمامة ألقاه بعيره فقتله. انتهى. وقال شارح ديوانه محمد بن حبيب: وكان الأعشى فيما روي رحل عند ظهور النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة، وكان قد سمع قراءة الكتب، فنزل عند عتبة بن ربيعة، فسمع به وجهل فأتاه في فتية من قريش، وأهدى له هدية ثم سأله: ما جاء بك؟ قال: جئت إلى محمد، إني كنت سمعت مبعثه في الكتب لأنظر ماذا يقول، وماذا يدعو إليه، فقال أبو جهل: إنه يحرم الزنى. فقال: لقد كبرت ومالي في الزنى حاجة. قال: فإنه يحرم عليك الخمر. قال: فما أحل!! فجعلوا يحدثونه بأسوأ ما يقدرون عليه. فقالوا: أنشدنا ما قلت فيه. فأنشد: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمد *** وعادك ما عاد السليم المسهدا وهي قصيدة جيدة عدتها أربعة وعشرون بيتاً، فلما أنشدهم قالوا: هذا رجل لا يمدح أحد إلا رفعه، ولا يهجو أحداً إلا وضعه. فمن لنا يصرفه عن هذا الوجه؟ فقال أبو جهل للأعشى: أما أنت فلو أنشدته هذه لم يقبلها. فلم يزالوا به، لشقاوته، حتى صدوه وخرج من فورته حتى وصل اليمامة فمكث بها قليلاً ثم مات. وروى ابن دأب وغيره أن الأعشى خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال شعراً، حتى إذا كانت ببعض الطريق نفرت به راحلته فقتلته، فلما أنشد شعره الذي يقول فيه: وآليت لا أرثي لها من كلالة *** ولا من حفى حتى تلاقي محمدا متى ما تناخي عند باب ابن هاشم *** تراحي وتلقي من فواضله ندى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كاد ينجو ولما . وترد هذه القصيدة إن شاء الله مشروحة في شواهد مغني اللبيب ، فإنه استشهد بغالب أبياتها، ولم يقع منها شيء في هذه الشواهد. وللأعشى أخبار أخر تأتي متفرقة في شرح شواهد من شعره. وللأعشى في اللغة: الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء، وعشي الرجل - بالكسر - عشاً بالقصر إذا ضعف بصره، وكان هذا الأعشى عمي في أواخر عمره. وعدة من هو أعشى من الشعراء سبعة عشر شاعراً، ذكرهم الآمدي في المؤتلف والمختلف . وأنشد بعده: وهو فما وجدت بنات بني نزار *** حلائل أسودين وأحمرينا على أن جمع أسود وأحمر جمع تصحيح شاذ، كما يجيء في باب الجمع: فكل صفة لا تلحقها التاء فكأنها من قبيل الأسماء، فلذا لم يجمع هذا الجمع أفعل فعلاء وفعلان فعلى . وأجاز ابن كيسان أحمرون وسكرانون، واستدل بهذا البيت، وهو عند غيره شاذ. وبنات فاعل وجدت ، وحلائل مفعوله، نزار - بكسر النون -: هو والد مضر بن نزار بن معد بن عدنان. والحلائل: جمع حليل بالحاء المهملة، وهو الزوج. والحليلة: الزوجة؛ سميا بذلك لأن كلا منهما يحل للآخر ولا يحرم، ولأن كلا منهما يحل من صاحبه محلاً لا يحله غيره. وأسودين صفة حلائل . وهذا البيت من قصيدة لحكيم الأعور بن عياش الكلبي، من شعراء الشام، هجا بها مضر ورمى فيها امرأة الكميت بن زيد بأهل الحبس، لما فر منه بثياب امرأته. وسبب حبس الكميت على وجه الاختصار، أن حكيماً الأعور هذا كان ولعاً بهجاء مضر، فكانت شعراء مضر تهجوه وتجيبه، وكان الكميت يقول: هو والله أشعر منكم! قالوا: فأجب الرجل! قال: إن خالد بن عبد الله القسري محسن إلي فلا أقدر أن أرد عليه. قالوا: فاسمع بإذنك ما يقول في بنات عمك وبنات خالك من الهجاء! فأنشدوه ذلك، فحمي الكميت لعشيرته فقال المذهبة التي أولها: ألا حييت عنا يا مدينا وأحسن فيها، وهي زهاء ثلاثمائة بيت لم يترك فيها حياً من أحياء اليمن إلا هجاهم. ومنه: الوافر ولا أعني بذلك أسفليكم *** ولكني أريد به الذوينا وتقدم شرحه، وهو الشاهد السادس عشر؛ وعرض الكميت فيها بأخذ الفرس والحبشة وغيرهما نساء اليمن بقوله: لنا قمر السماء وكل نجم *** تشير إليه أيدي المهتدينا وما ضربت بنات بني نزار *** هوائج من فحول الأعجمينا وما حملوا الحمير على عتاق *** مطهمة فيلفوا منغلين والهوائج: جمع هائج، وهو الفحل الذي يشتهي الضراب. وبلغ خالداً القسري خبر هذه القصيدة فقال: والله لأقتلنه. ثم اشترى ثلاثين جارية في نهاية الحسن فرواهن القصائد الهاشميات للكميت، ودسهن مع نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن، فأنشدنه يوماً القصائد المذكورة فكتب إلى خالد، وكان يومئذ عامله بالعراق: أن ابعث إلي برأس الكميت. فأخذه خالد وحبسه، فوجه الكميت إلى امرأته، ولبس ثيابها وتركها في موضعه وهرب من الحبس، فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة، فاجتمعت بنو أسد إليه وقالوا: ما سبيلك على امرأة لنا خدعت! فخافهم وخلا سبيلها، ثم إن الكميت اتصل بمسلمة بن هشام، فشفع فيه عند والده فشفعه. وقيل: إن سبب هجاء الكميت أهل اليمن أن حكيماً الأعور هذا، كان يهجو علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وبني هاشم جميعاً، وكان منقطعاًإلى بني أمية، فانتدب له الكميت رحمه الله تعالى، فهجاه وسبه وأجابه، ولج الهجاء بينهما، وكان الكميت يخاف أن يفصح بشعره عن علي رضي الله عنه؛ لما وقع بينه وبين هشام، وكان يظهر أن هجاءه إياه للعصبية التي بين عدنان جد مضر وبي قحطان أبي اليمن. وقال المستهل بن الكميت يوماً لوالده، لما افتخر في قصيدة بائية موحدة ببني أية هاجياً بها قحطان: كيف فخرت ببني أمية وأنت تشهد عليها بالكفر، فهلا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم؟! فقال: يا بني، أنت تعلم انقطاع الكلبي إلى بني أمية، وهم أعداء علي رضي الله عنه، فلو ذكرت علياً لترك ذكري وأقبل على هجائه، فأكون قد عرضت علياً له ولا أجد له ناصراً من بني أمية، ففخرت عليه ببني أمية وقلت: إن نقضها علي قتلوه، وإن أمسك عن ذكرهم ثنيته عن الذي هو عليه. فكان كما قال، أمسك الأعور الكلبي عن جوابه فغلب عليه، وأفحم الكلبي. وقال الأعور الكلبي يوم: البسيط ما سرني أن أمي من بني أسد *** وأن ربي نجاني من النار وأنهم زوجوني من بناتهم *** وأن لي كل يوم ألف دينار فأجابه الكميت: البسيط يا كلب مالك أم من بني أسد *** معروفة فاحترق يا كلب بالنار فأجابه الكلبي: لن يبرح اللؤم هذا الحي من أسد *** حتى يفرق بين السبت والأحد وأنشد بعده: وهو قد صرت البكرة يوماً أجمعا على أن الكوفيين جوزوا تأكيد النكرة المحدودة. وقد أورد الشارح في باب التوكيد أيضاً، ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله. وهذا البيت مجهول لا يعرف قائله، حتى قال جماعة من البصريين: إنه مصنوع. والبكرة - بفتح الموحدة وسكون الكاف، إن كانت البكرة التي يستقي عليها الماء من البئر. ف صرت بمعنى صوتت، من صر الباب يصر صريراً أي: صوت، فيكون المعنى: ما انقطع استقاء الماء من البئر يوماً كاملاً؛ وإن كانت الفتية من الإبل مؤنث البكر وهو الفتي منها - قال أبو عبيدة: البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الإنسان. والبكرة بمنزلة الفتاة، والقلوص بمنزلة الجارية والبعير بمنزلة الإنسان، والجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة - ف صرت بالبناء للمفعول، يقال صررت الناقة: شددت عليها الصرار، وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضعها ولدها. والفتي - بفتح الفاء وكسر المثناة وتشديد الياء - هو من الدواب: خلاف المسن، وهو كالشاب من الناس؛ والأنثى فتية؛ والفتى بالقصر: الشاب، والأنثى فتاة. والخلف - بكسر الخاء المعجمة وسكون الام -: هو لذوات الخف كالثدي للإنسان. والتودية، - بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر الدال وتخفيف المثناة التحتية -، هي خشبة تشد على خلف الناقة إذا صرت، وجمعها تواد كمساجد. قال العيني،بعد أن شرحه على الوجه الأول: صدره: إنا إذا خطافنا تقعقعا وفيه نظر من وجهين: الأول أن بيت الشاهد بيت من الرجز، وليس مصراعاً من بيت حتى يكون ما ذكره صدره. والثاني: أنه غير مرتبط ببيت لشاهد فإن بيت الشاهد لا يصح أن يكون خبراً لقوله أنا ولا جواباً ل إذا ، اللهم إلا إن قدر الرابط، أي: صرت البكرة فيه، وتكون حينئذ الجملة شرطية خبراً لإنا. فافهم. والخطاف - بالضم والتشديد: حديدة معوجة تكون في جانبي البكرة فيها المحور، وكل حديدة معطفوفة خطاف. والقعقعة: تحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت، والتقعقع مطاوعه. وأنشد بعده: وهو وهو من شواهد المفصل أتاني وعيد الحوص من آل جعفر *** فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا! على أن الأحوص بالنظر إلى الوصفية جمع على الحوص ، وبالنظر إلى نقله إلى الاسمية بالغلبة جمع على الأحاوص. وهذا البيت أورده الزمخشري في المفصل على أن الأحوص يجمع على هذين الجمعين: أحدهما فعل، ولا يجمع على هذا إلا أفعل صفة، وشرطه أن يكون مؤنثه على فعلاء كما هو مبين في جمع التكسير، والثاني أفاعيل، ولا يجمع على هذا إلا أفعل اسم وأفعل بالتفضيل. والبيت من قصيدة لأعشى قيس، نفر فيها عامر بن الطفيل، قاتله الله تعالى، ابن مالك بن جعفر، على ابن عمه علقمة الصحابي، رضي الله عنه، ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي العامري. قال في الاستيعاب: وكان سيداً في قومه حليماً عاقلاً، ولم يكن فيه ذاك الكرم. والوعيد: التهديد والتخويف. وأراد ب الحوص والأحاوص: أولاد الأحوص بن جعفر، وهم عوف بن الأحوص، وعمرو بن الأحوص، وشريح ابن الأحوص. والأحوص اسمه ربيعة، سمي أحوص لضيق كان في عينه. قال في الصحاح: والحوص أي: بمهملتين: ضيق في مؤخر العين، والرجل أحوص، ويقال بل هو الضيق في إحدى العينين، والمرأة حوصاء. وعبد عمرو: قال ابن السيرافي في شرحه لشواهد إصلاح المنطق: هو عبد بن عمرو بن الأحوص؛ وقال في الصحاح: عبد عمرو وهو ابن شريح بن الأحوص. وجواب لو محذوف أي: لو نهيتهم لكان خيراً لهم، ويجوز أن تكون للتمني على سبيل التهكم، وإنما وجه الخطاب إليه لأنه كان رئيسهم حينئذ. وإنما قال الأعشى هذا الكلام لأن علقمة بن علاثة كان أوعده بالقتل، ويدل عليه قوله بعد هذه الأبيات: فإن تتعدني أتعدك بمثله *** وسوف أزيد الباقيات القوارص والقوارص: الكلمات المؤذية، يريد أني أزيدك على الإيعاد بقصائد الهجو. ولولا أنها في صحابي لأوردت منها أبياتاً. وكان سبب تهديد علقمة بالقتل للأعشى: هو أن علقمة بن علاثة كان نافراً ابن عمه عامر بن الطفيل - وكان علقمة كريماً رئيساً، وكان عامراً عاهراً سفيهاً - وساقا إبلاً جمة لينحر لهما المنفر، فهاب حكام العرب أن يحكموا بينهما بشيء؛ وأتوا هرم بن قطبة بن سنان فقال: أنتما كركبتي البعير تقعان معا وتنهضان معا؛ قالا: فأينا اليمنى؟ قال: كلاكما يمين. وأقاما سنة لا يجسر أحد أن يحكم بينهما بشيء، إلى أن جاء الأعشى علقمة مستجيراً به، فقال. أجيرك من الأسود والأحمر. قال: ومن الموت؟ قال: لا. فأتى عامراً فقال له مثل ذلك، فقال: ومن الموت؟ قال: نعم. قال: وكيف؟ قال: إن مت في جواري وديتك. فقال علقمة: لو علمت أن ذلك مراده لهان علي. ثم إن الأعشى ركب ناقته ووقف في نادي القوم وأنشدهم قصيدة نفر فيها عامراً على علقمة، منه: السريع أقول لما جاءني فخره *** سبحان من علقمة الفاخر ومنها: ولست بالأكثر منهم حصى *** وإنما العزة للكاثر وهما شاهدان من شواهد هذا الكتاب، وسيأتي شرحهما إن شاء الله تعالى في محلهما. وبعد أن أنشد القصيدة نادى الناس: نفر عامر على علقمة؛ ورووا الشعر وأمضوا حكم الأعشى. فلما سمع علقمة بهذا هدده بالقتل، فقال الأعشى هذه القصيدة الصادية. ومعنى المنافرة، كما في الصحاح: المحاكمة في الحسب، يقال نافره فنفره ينفره بالضم لا غير، أي: غلبه. والمنفور: المغلوب. والنافر: الغالب. ونفره عليه تنفيراً أي: قضى عليه بالغلبة، وكذلك أنفره. والحسب هو من الحسبان وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال حسبه: دينه. ويقال ماله. وقال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والمجد لا يكون إلا بالآباء. وترجمة الأعشى مرت في الشاهد الثالث والعشرين. وأنشد بعده: وهو أخو رغائب يعطيها ويسأله *** يأبى الظلامة منه النوفل الزفر على أن الزفر بمعنى السيد؛ قال الشارح المحقق في فعل، - بضم الفاء - إذا كان علم: يشترط لمنع صرفه شرطين: ثبوت فاعل وعدم فعل قبل العلمية. أما عمر وزفر علمين فكان الواجب صرفهما، لأنه لما جاء لهما فاعل قبل العلمية جاء فعل أيضاً نحو جمع عمرة. والزفر: السيد. قال الأعشى . وأنشد الشعر، ثم قال: لكنهما لم سمعا غير منصرفين حكمنا بأنهما علمان غير منقولين عن فعل الجنسي، بل هما معدولان عن فاعل انتهى. يفهم منه أنه لم يسمع صرف زفر في العلمية لكن يجوز صرفه باعتبار كونه معدولاً من الزافر، كما صرح به ابن جني، ناقلاً عن أبي علي، في كتابه المبهج وهو شرح أسماء شعراء الحماسة، وعبارته: زفر معدول عن زافر، ولذلك لم يصرف لاجتماع التعريف والعدل فيه، ويدل على أنه معدول أنك لا تجده في الأجناس كما تجد صرد ونغر؛ وأما قوله: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر فقال أبو علي: إنك لو سميت بهذا صرفته كما تصرفه إذا سميته صرداً وجرذاً وحطماً ولبداً . وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: الزفر الناهض بحمله، وليس زفر هذا الاسم منقولاً من هذا الوصف، ولو كان كذلك لوجب صرفه، ألا تعلم أن فعلاً المعدول عن فاعل لا يجوز دخول اللام عليه، وذلك نحو زحل وقثم. وقد قال: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر فدخول اللام عليه يعرفك أن زفر الذي ليس مصروفاً ليس بهذا لداخلية اللام، ولو سميت رجلاً بزفر هذا بعد خلعك اللام عنه لوجب صرفه، لأنه حينئذ كصرد ونغر. وهذا واضح، وهو رأي أبي علي وتفسيره . انتهى. والأخ هنا بمعنى الملابس والملازم للشيء، فإن العرب استعملت الأخ على أربعة أوجه: أحدها هذا كقولهم: أخو الحرب، والثاني: المجالس والمشابه كقولهم: هذا الثوب أخو هذا، والثالث: الصديق، والرابع: أخو النسب وهو قسمان: لمن هو منهم، وبه فسر قوله تعالى: {يا أخت هرون}. والرغائب: جمع رغيبة وهي العطايا الكثيرة، كذا في الصحاح ، وفي شرح شواهد الغريب المصنف لابن السيرافي: والرغائب الأشياء التي ترغب فيها. يريد يعطي ما يرغب الرجال في ادخاره ويحرصون على التسمك به لنفاسته. وأخو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أخو رغائب، وجملة يعطيها ويسألها مفسرة لوجه الملابسة في قوله: أخز رغائب. ويسألها بالبناء للمجهول: من السؤال، ويروي موضعه ويسلبها بالبناء للمعلوم من السلب. والظلامة - بالضم -، ومثله الظليمة والمظلمة - بكسر اللام وضمها -، وهو ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أخذ منك. والنوفل: البحر، والكثير العطاء؛ وقال ثعلب: النوفل العزيز الذي ينفل عنه الضيم أي: يدفعه. والزفر: الكثير الناصر والأهل والعدة. وقال في الصحاح: هو السيد، لأنه يزدفر أي: يتحمل بالأموال في الحمالات من دين ودية مطيقاً لها؛ وأنشد هذا البيت ثم قال: وإنما يريده بعينه، كقولك لئن لقيت فلاناً ليقينك منه الأسد. ومحصل كلامهم أن من تجريدية، والتجريد - كما في الكشف - هو تجريد المعنى المراد عما قام به، تصويراً له بصورة المستقل مع إثبات ملابسة بينه وبين القائم به بأداة وسياق. وهذا البيت من قصيدة عدة أبياتها أربعة وثلاثون بيتاً لأعشى باهله، رثى بها المنتشر بن وهب الباهلي، قال الآمدي في المؤتلف والمختلف: أعشى باهله يكنة أبا قحطان، جاهلي واسمه عامر بن الحارث، أحد بني عامر بن عوف بن وائل ابن معن؛ ومعن أبو باهله، وباهله امرأة من همدان. وهو الشاعر المشهور صاحب القصيدة المرثية في أخيه لأمه: المنتشر انتهى. والمنتشر هو كما قال أبو عبيدة: ابن وهب بن سلمة بن كراثة بن هلال ابن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان. وكان المنتشر رئيساً فارساً. وكان رئيس الأبناء يوم أرمام، وهو أحد يومي مضر في اليمن، كان يوماً عظيماً قتل فيه مرة بن عاهان، وصلاءة بن العنبر، والجموح، ومعارك. وقال الأصمعي: المنتشر هو ابن هبيرة بن وهب بن عوف بن حارث بن ورقة ابن مالك. قال السيد المرتضى في أماليه المسماة غرر الفوائد ودرر القلائد: وهذه القصيدة من المراثي المفضلة المشهورة بالبراعة والبلاغة قال: وقد رويت أنها للدعجاء أخت المنتشر، وقيل لليلى أخته قال: ومن هنا اشتبه الأمر على عبد الملك بن مروان فظن أنها لليلى الأخيليلة . وينبغي أن نورد هذه القصيدة مشروحة لأمور: منها أنها نادرة قلما توجد، ومنها أنها جيدة في بابها، ومنها أن كثير من أبياتها شواهد في كتب العلماء. ونورد أولاً خبر المنتشر، حتى يظهر بناء القصيدة عليه. وكان من حديثه على ما رواه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في روايته ديوان الأعشى قال: خرج المنتشر ابن وهب الباهلي يريد حج ذي الخلصة، ومعه غلمه من قومه، والأقبصر بن جابر أخو بني فراص - وكان بنو نفيل بن عمرو بن كلاب أعداء له - فلما رأوا مخرجه وعورته وما يطلبه به بنو الحارث بن كعب، وطريقه عليهم - وكان من حج ذا الخلصة أهدى له هدياً يتحرم به ممن لقيه - فلم يكن مع المنتشر هدي، فسار حتى إذا كان بهضب النباع انكسر له بعض غلمته الذين كانوا معه فصعدوا في شعب من النباع، فقالوا: في غار فيه؛ وكان الأقيصر يتكهن، وأنذر بنو نفيل بالمنتشر بني الحارث بن كعب، فقال الأقيصر: النجاء با منتشر فقد أتيت! فقال: لا أبرح حتى أبرد. فمضى الأقيصر وأقام المنتشر وأتاه غلمته بسلاحه، وأراد قتالهم فأمنوه؛ وكان قد أسر رجلاً من بني الحارث بن كعب يقال له هند بن أسماء بن زنباع، فسأله أن يفدي نفسه فأبطأ عليه فقطع أنملة، ثم أبطأ فقطع منه أخرى، وقد أمنه القوم ووضع سلاحه، فقال: أتؤمنون مقطعاً؟ وإلهي لا أؤمنه! ثم قتله، وقتل غلمته. انتهى. وذو الخلصة ، بفتحات الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة: الكعبة اليمانية التي كانت باليمن، أنفذ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله فخربها. وقيل هو بيت كان في صنم لدوس وخثعم وبجيلة وغيرها. كذا في النهاية لابن الأثير. وفي الصحاح: هو بيت لخثعم كان يدعى الكعبة اليمانية، وكان فيه صنم يدعى الخلصة فهدم. وفي شرح البخاري لابن حجر: ذو الخلصة - بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة . وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه. وحكى ابن هشام ضمهما، وقيل بفتح أوله وضم ثانيه، والأول أشهر. والخلصة: نبات له حب أحمر كخرز العقيق، وذو الخلصة: اسم البيت الذي كان فيه الصنم، وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنمذو الخلصة وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجداً جامعاً لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم، ووهم من قال أنه كان في بلاد فارس . انتهى. ورأيت في كتاب الأصنام لابن الكلبي: أن ذا الخلصة كان مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج، وكانت بتبالة بين مكة واليمن مسيرة سبع ليال من مكة، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر، وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن، وفيها يقول خداش بن زهير العامري لعثعث بن وحشي في عهد كان بينهم فغدر بهم: وذكرته بالله بيني وبينه *** وما بيننا من هذه لو تذكرا وبالمروة البيضاء يوم تبالة *** ومحبسة النعمان حيث تنصرا فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت العرب، ووفدت عليه وفودها، قدم عليه جرير بن عبد الله مسلماً: فقال له: يا جرير ألا تكفيني ذا الخلصة؟ فقال: بلى! فوجهه إليه، فخرج حتى أتى أحمس بن بجيلة فسار بهم إليه. فقاتله خثعم وباهلة دونه، فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل، وأكثر القتل في خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم، فظفر بهم وهزمهم، وهدم بنيان ذي الخلصة، وأضرم فيه النار فاحترق. وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد التبالة. وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تذهب الدنيا حتى تصطك أليات نساء دوس على ذي الخلصة، يعبدونه كما كانوا يعبدونه . انتهى. والقصيدة هذه: إني أتتني لسان لا أسر به *** من علو لا عجب منها ولا سخر هذا البيت أورده الشارح المحقق، في الظروف، على أن علو روي - بضم الواو وكسرها وفتحها. واستشهد به صاحب الكشاف على أن اللسان في قوله تعالى: {وجعلنا لهم لسان صدق علياً} أطلق على ما يوجد بها من العطية. واللسان هنا بمعنى الرسالة؛ وأراد بها نعي المنتشر، ولهذا أنث له الفعل، فإنه إذا أريد به الكلمة والرسالة يؤنث ويجمع على ألسن، وإذا كان بمعنى جارحة الكلام فهو مذكر ويجمع على ألسنة. روى ثعلب: إني أتيت بشيء لا أسر به *** من علو لا عجب فيه ولا سخر وروى أبو زيد في نوادره: إني أتاني شيء لا أسر به *** من عل لا عجب فيه ولا سخر قال: ويروى من علو وسخر - بضمتين -. قال في الصحاح: وعلو مثلث الواو، أي: أتاني خبر من أعلى نجد . وقال أبو عبيدة: أراد العالية. وقال ثعلب: أي: من أعالي البلاد. ويقال من علو بتثليث الواو ومن عل بكسر اللام وضمها، ومن علا، ومن أعلى، ومن معال. وقوله: لا عجب إلخ، أي: لا أعجب منها، وإن كانت عظيمة، لأن مصائب الدنيا كثيرة؛ ولا سخر: بالموت، وقيل معناه لا أقول ذلك سخرية، وهو بفتحتين وضمتين: مصدر سخر منه كفرح وسخرا بضمتين ومسخرا: استهزأ به. فظلت مكتئباً حران أندبه *** وكنت أحذره لو ينفع الحذر وروى: وكنت ذا حذر: فجاشت النفس لما جاء جمعهم *** وراكب جاء من تثليث معتمر في الصحاح: جاشت نفسه أي: غثت، ويقال دارت للغثيان. فإن أردت أنها ارتفعت من حزن وفزع. قلت: جشأت بالهمز . وروى بدل جمعهم أي: الذين شهدوا مقتله: فلهم بفتح الفاء وتشديد اللام؛ يقال جاء فل القوم أي: منهزموهم، يستوي فيه الواحد والجمع، وربما قالوا: فلول وفلال. وتثليث بالمثلثة. اسم موضع. ومعتمر صفة راكب بمعنى زائر، ويقال من عمرة الحج. يأتي على الناس لا يلوي على أحد *** حتى التقينا وكانت دوننا مضر فاعل يأتي ضمير الراكب. ويلوي: مضارع لوى بمعنى توقف وعرج، أي: يمر هذا الراكب على الناس ولم يعرج على أحد حتى أتاني؛ لأني كنت صديقه. ودون بمعنى قدام. إن الذي جئت من تثليث تندبه *** منه السماح ومنه النهي والغير أي: فقلت لهذا الراكب: إن الذي جئت إلخ، يقال ندب الميت من باب نصر: بكى عليه وعدد محاسنه. وجملة منه السماح إلخ خبر إن. والنهي: خلاف الأمر. والغير ، بكسر المعجمة وفتح المثناة التحتية: اسم من غير الشيء فتغير، أقامه مقام الأمر. ينعى امرأ لا تغب الحي جفنته *** إذا الكواكب أخطا نوءها المطر النعي: خبر الموت، يقال نعاه ينعاه. قال الأصمعي: كانت العرب إذا مات ميت له قدر ركب راكب فرساً وجعل يسير في الناس ويقول: نعاء فلاناً. أي: انعه وأظهر خبر وفاته؛ وهي مبنية على الكسر. ولا يغب: هو من قولهم فلان لا يغبنا عطاؤه، أي: لا يأتينا يوماً دون يوم، بل يأتينا كل يوم. والجفنة: القصعة. وأخطاه كتخطاه: تجاوزه. والنوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوماً، وهكذا كل نجم إلى انقضاء السنة. وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها. يريد أن جفانه لا تنقطع في القحط والشدة: وراحت الشول مغبراً مناكبه *** شعثاً تغير منها الني والوبر معطوف على مدخول إذا . في القاموس: الشائلة من الإبل: ما أتى عليها من حمله ووضعها سبعة أشهر فجف لبنها، والجمع شول على غير قياس . وفي النهاية: الشول مصدر شال لبن الناقة أي: ارتفع، وتسمى الناقة الشول أي: ذات شول، لأنه لم يبق في ضرعها إلا شول من لبن أي: بقية، ويكون ذلك بعد سبعة أشهر من حملها. وروى:مباءتها أي: مراحلها، بدل مناكبها. ومغبرا يعني من الرياح والعجاج. والني - بفتح النون -: الشحم، ومصدر نوت الناقة تنوي نواية ونياً إذا سمنت، يريد أن الجدب وقلة المرعى خشن لحمها وغيره. وألجأ الكلب مبيض الصقيع به *** وألجأ الحي من تناحه الحجر معطوف أيضاً على مدخول إذا. وألج: اضطر، ويروى: أجحر يقال أجحرته أي: ألجأته إلى أن دخل جحره. والصقيع: الجليد. وتنفاحه: ضربه، وهو مصدر نفحت الريح، إذا هبت باردة، والضمير للصقيع، والباء في به بمعنى على، والضمير للكلب. والحجر - بضم الحاء وفتح الجيم -: جمع حجره - بالضم -: الغرفة، وحظيرة الإبل من شجر. يقول: هو في مثل هذه الأيام الشديدة يطعم الناس الطعام. عليه أول زاد القوم قد علمو *** ثم المطي إذا ما أرملوا جزر يعني أنه يرتب على نفسه زاد أصحابه أولاً، وإذا فني الزاد نحر لهم. وأرمل الرجل: نفذ زاده. والمطي: جمع مطية، وهي الناقة. والجزر - بضمتين: جمع جزور، وهي الناقة التي تنحر، وروي - بفتحتين -: جمع جزرة، وهي الناقة والشاة تذبح. قد تكظم البزل منه حين تبصره *** حتى تقطع في أعناقها الجرر ويروى: وتفزع الشول منه حين يفجؤها يقال: كظم البعير بالفتح يكظم بالكسر كظوماً، إذا أمسك عن الجرة. وقيل: الكظم: أن لا تجتر لشدة الفزع إذا رأت السيف: والبزل: جمع بازل، وهو الداخل في السنة التاسعة. والجرر: جمع جرة - بكسر الجيم - فيهما، وهي ما يخرجه البعير للاجترار. يقول: تعودت الإبل أنه يعقر منها، فإذا رأته كظمت على جرتها فزعاً منه. وتقطع فعل مضارع منصوب بأن أخو رغائب يعطيها ويسأله *** يأبى الظلامة منه النوفل الزفر لم تر أرضاً ولم تسمع بساكنه *** إلا بها من نوادي وقعه أثر نوادي كل شيء بالنون: أوائله وما ندر منه، واحده نادية، ومنه قولهم: لا ينداك مني سوء أبداً، أي: لا يندر إليك. والوقع: النزول. وليس فيك إذا استنظرته عجل *** وليس فيه ياسرته عسر وإن يصبك عدو في مناوأة *** يوماً فقد كنت تستعلي وتنتصر ويروى: فقد كان يستعلي وينتصر . المناوأة: المعاداة، يقال ناوأت الرجل مناوأة. وقيل هي المحاربة، ناوأته أي: حاربته. قال الشاعر: إذا أنت ناوأت القرون فلم تنؤ *** بقرنين عزتك القرون الكوامل من ليس في خيره من يكدره *** على الصديق ولا صفوة كدر أخو شروب ومكاسب إذا عدمو *** وفي المخافة منه الجد والحذر الشروب: جمع شرب وهو جمع شارب، كصحب جمع صاحب. ويروى أخو حروب . والمكاسب: مبالغة كاسب. والعدم: الفقر، وفعله من باب فرح. مردى حروب ونور يستضاء به *** كما أضاء سواد الظلمة القمر المردى - بكسر الميم -، قال في الصحاح: هو حجر يرمى به، ومنه قيل للشجاع إنه لمردى حروب . ومعناه أنه يقذف في الحروب ويرجم فيها. وروى: كما أضاء سواد الطخية القمر الطخية - بضم المهملة وسكون المعجمة -: الظلمة. والطخياء بالمد: الليلة المظلمة. يريد أنه كامل شجاعته وعقلاً، فشجاعته كونه يرمى في الحروب، وعقله كون رأيه نوراً يستضاء به، وهما وصفان متضادان غالباً. مهفهف أهضم الكشحين منخرق *** عنه القميص لسير الليل محتقر المهفهف: الخميص البطن الدقيق الخصر. والأهضم: المنضم الجنبين. والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف؛ وهذا مدح عند العرب، فإنها تمدح الهزال والضمر وتذم السمن. وفي العباب: ورجل منخرق السربال، إذا طال سفره فشققت ثيابه. ولسير الليل متعلق بما بعده: وهذا يدل على الجلادة وتحمل الشدائد. طاوي المصير على العزاء منجرد *** بالقوم ليلة لا ماء ولا شجر الطوى: الجوع، وفعله من باب فرح؛ وطوى - بالفتح - يطوي - بالكسر - طياً إذا تعمد الجوع. والمصير: المعى الرقيق، وجمعه مصران، كرغيف ورغفان، وجمع هذا مصارين، أراد طاوي البطن. والعزاء - بفتح العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة: الشدة والجهد. وقال في الصحاح: هي السنة الجديدة. والمنجرد: المتشمر. وقوله ليلة لا ماء ولا شجر أي: يرعى. لا يصعب الأمر إلا ريث يركبه *** وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر أصعب الأمر: وجده صعباً. وكل: مفعول مقدم ليأتمر، أي: يفعل كل خير ولا يدنو من الفاحشة. لا يهتك الستر عن أنثى يطالعه *** ولا يشد إلى جاراته النظر لا يتأرى لما في القدر يرقبه *** ولا بعض على شرسوفه الصفر لا يترأى: لا يتحبس ويتلبث، يقال تأرى المكان، إذا أقام فيه، أي: لا يلبث لإدراك طعام القدر. وجملة يرقبه حال من المستتر في يتأرى، يمدحه بأن همته ليس في المطعم والمشرب، وإنما همته في طلب المعالي، فليس يرقب نضج ما في القدر إذا هم بأمر له شرف، بل يتركها ويمضي. والشرسوف: طرف الضلع. والصفر: دويبة مثل الحية تكون في البطن تعتري من به شدة الجوع، قال في النهاية ، في حديث لا عدوى ولا هامة ولا صفر: إن العرب كانت تزعم أن في البطن حية يقال لها الصفر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وأنها تعدي ، فأبطل الإسلام ذلك. وقيل أراد به النبي صلى الله عليه وسلم النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية: وهو تأخير المحرم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام؛ فأبطله. انتهى. ولم يرد الشاعر أن في جوفه صفراً لا يعض على شراسيفه، وإنما أراد أنه لا صفر في جوفه فيعض. يصفه بشدة الخلق وصحة البنية. لا يغمز الساق من أين ولا صب *** ولا يزال أمام القوم يقتفر لا يغمز الساق: لا يجسها يصف جلده وتحمله للمشاق. والأين: الإعياء. والوصب: الوجع والاقتفار بتقديم القاف على الفاء: اتباع الآثار. في الصحاح: وقفرت أثره أقفره - بالضم -، أي: قفوته، واقتفرت مثله. وأنشد هذا البيت. ورواه أبو العباس في شرح نوادر أبي زيد يقتفر بالبناء للمجهول، ومعناه أنه يفوت الناس فيتبع ولا يلحق. لا يأمن الناس ممساه ومصبحه *** في كل فج وإن لم يغز ينتظر أي: لا يأمنه الناس على كل حال سواء كان غازياً أم لا، فإن كان غازياً يخافون أن يغير عليهم، وإن لم يكن غازياً فإنهم في قلق أيضاً، لأنهم يترقبون غزوه وينتظرونه. تكفيه حزة فلذان ألم به *** من الشواء ويروي شربه الغمر الحزة - بضم الحاء المهملة وتشديد الزاي المعجمة -: قطعة من اللحم قطعت طولاً. والفلذان: جمع فلذ. بكسر الفاء فيهما: القطعة من الكبد واللحم. وألم به: أصابها، يعني أكلها. والغمر - بضم الغين المعجمة وفتح الميم -: قدح صغير لا يروي. لا تأمن البازل الكوماء عدوته *** ولا الأمون إذا ما اخروط السفر البازل: البعير الذي فطر نابه بدخوله في السنة التاسعة، ويقال للناقة بازل أيضاً يستوي فيه الذكر والأنثى. والكوماء - بالفتح -: الناقة العظيمة السنام. والعدوة: التعدي، فإنه ينحرها لمن معه سواء كانت المطية مسنة كالبازل، وشابة كالأمون، وهي الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها وضعفها. واخروط: امتد وطال. كأنه بعد صدق القوم أنفسهم *** باليأس تلمع من قدامه البشر لمع: أضاء. والبشر - بضمتين -: جمع بشير، يقول: إذا فزع القوم وأيقنوا بالهلاك عند الحروب والشدائد فكأنه من ثقته بنفسه قدامه بشير يبشره بالظفر والنجاح، فهو منطلق الوجه نشيط غير كسلان. قال السيد المرتضى في أماليه: قال المبرد لا نعلم بيتاً في يمن النقيبة وبركة الطلعة أبرع من هذا البيت . لا يعجل القوم أن تغلي مراجلهم *** ويدلج الليل حتى يفسح البصر يريد أنه رابط الجأش عند الفزع، لا يستخفه الفزع فيعجل أصحابه عن الأطباخ. وقوله: حتى يفسح البصر، أي: يجد متسعاً من الصبح، وقيل معناه ليس هو شرعاً يتعجل بما يؤكل. والمراجل: القدور، جمع مرجل. عشنا به حقبة حياً، ففارقن *** كذلك الرمح ذو النصلين ينكسر وروى: عشنا بذلك دهراً ثم ودعن والنصلان هما: السنان وهي الحديدة العليا من الرمح، والزج، وهي الحديدة السفلى، ويقال لهما الزجان أيضاً. وهذا مثل، أي: كل شيء يهلك ويذهب. فإن جزعنا فقد هدت مصابتن *** وإن صبرنا فإنا معشر صبر المصابة - بضم الميم - بمعنى المصيبة، يقال: جبر الله مصابته، وهو فاعل والمفعول محذوف أي: قوانا. والصبر - بضمتين: جمع صبور، مبالغة صابر. أصبت في حرم منا أخا ثقة *** هند بن أسماء لا يهني لك الظفر خاطب قاتل المنتشر هند بن أسماء، وأراد بالحرم ذا الخلصة، ثم دعا عليه. والتهنئة: خلاف التعزية. لو لم تخنه نفيل وهي خائنة *** لصبح القوم ورداً ما له صدر صبحه: سقاه الصبوح، وهو الشرب بالغداة، أراد أنه كان يقتلهم. وأقبل الخيل من تثليث مصغية *** وضم أعينها رغوان وحضر أقبل الخيل: جعلها مقبلة. ومصغية: مائلة نحوكم. ورغوان وحضر: موضعان. أي: كانت تأتي خيله عليكم في هذين الموضعين وما كانت تنام في منزل إلا فيهما. إذا سلكت سبيلاً أنت سالكه *** فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر وأنشد بعده: وهو وهو قطعة من بيت وهو: إني لمهد من ثنائي وقاصد *** به لابن عم الصدق شمس بن مالك على أنه مصروف مع أنه معدول عن شمس بالفتح. وعليه اقتصر في باب العلم. وإنما صرف لكونه لم يلزم الضم فإنه سمع فيه الفتح أيضاً، فلما لم يزل الضم لم يعتبر عدله، ولو لزم الضم لصرف أيضاً لأنه يكون حينئذ منقولاً من جمع شموس، لا معدولاً من شمس بالفتح. وقد تبع الشارح المحقق في رواية الضم والفتح شراح الحماسة، منهم ابن جني في إعرابها فإنه قال: أما من روى شمس فتح الشين فأمره واضح كما يسمى ببدر ونحوه، ومن رواه شمس - بضم الشين - فيحتمل أن يكون جمع شموس، سمي به، من قول الأخطل: البسيط شمس العداوة حتى يستقاد لهم *** وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا ويجوز أن يكون ضم الشين على وجه تغيير الأعلام، نحو: معد يكرب وثهلل وموهب، وموظب، ومكوزة، وغير ذلك مما غير في حال نظائره لأجل العلمية الحادثة فيه؛ وليس في كلام العرب شمس إلا هذا الوضع. وفيه نظر؛ فإن شمساً في هذا البيت مضموم الشين لا غير، وإن المضموم غير المفتوح، كما فصله الحسن العسكري في كتاب التصحيف . فإنه قال بعدما أورد هذا البيت: شمس مضموم الشين: بطن من الأزد من مالك بن فهم. وكل ما جاء في أنساب اليمن فهو شمس بالضم، وكل ما جاء في قريش فهو شمس بالفتح انتهى. وهذا البيت أول أبيات عشرة لتأبط شراً، أثبتها أبو تمام في أول الحماسة، قال ابن جني: ضمير به عندي راجع إلى موصوف محذوف، أي: ثناه من ثنائي. وراجع عند الأخفش إلى نفس ثنائي، ومن عنده زائدة، وسيبويه لا يرى زيادتها في الواجب انتهى. فعلى الأول يكون ما أهدى محذوفاً، وعلى الثاني مذكوراً، واللام في قوله: لابن عم متعلقة بقاصد عند البصريين، يقال قصدته بكذا وقصدت له به، قال في العباب: كل ما نسب إلى الصلاح والخير أضيف إلى الصدق فقيل رجل صادق، وصديق صدق. وتأبط شراً تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس عشر. وأما مصنف كتاب التصحيف فهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري، ولد يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ومات يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة من سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. قال أبو طاهر السفلي: إن أبا أحمد هذا كان من الأئمة المذكروين بالتصرف في أنواع العلوم، والتبحر في فنون الفهوم، ومن المشهورين بجودة التأليف وحسن التصنيف، ومن جملته: كتاب صناعة الشعر . كتاب الحكم والأمثال . كتاب التصحيف . كتاب راحة الأرواح . كتاب الزواجر والمواعظ . كتاب تصحيح الوجوه والنظائر . وكان قد سمع ببغداد والبصرة وأصبهان وغيرها من شيوخ: منهم أبو القاسم البغوي، وابن أبي داود السجستاني، وأكثر عنهم، وبالغ في الكتابة، وبقي حتى علا به السن واشتهر في الآفاق بالرواية والإتقان؛ وانتهت إليه رياسة التحديث والإملاء والتدريس بقطر خوزستان ورحل الأجلاء إليه للأخذ عنه والقراءة عليه. نقلته مختصراً من معجم الأدباء. وأنشد بعده: وهو وهم قريش الأكرمون إذا انتمو *** طابوا فروعاً في العلا وعروقا على أن الأب ربما جعل مؤولاً بالقبيلة فمنع الصرف، كما منع قريش الصرف لتأويله بالقبيلة. والأكرمون صفة قريش. ومثله لعدي بن زيد بن الرقاع العاملي يمدح الوليد بن عبد الملك: الكامل غلب المساميح الوليد سماحة *** وكفى قريش المعضلات وساده والمساميح: جمع سمح على خلاف القياس. وقوله إذا انتمو: يقال انتمى إلى أبيه: انتسب، ونميته إلى أبيه نمياً: نسبته. في العباب: قال ابن دريد: كثر الكلام في قريش، فقال قوم: سميت قريش بقريش بن مخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون: قدمت عير قريش وخرجت عير قريش، وقال قوم: سميت قريشاً لأن قصياً قرشها أي: جمعها، فلذلك سمي قصي مجمعاً. قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب: أبونا قصي كان يدعى مجمع *** به جمع الله القبائل من فهر وقال الليث: قريش قبيلة، أبوهم النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس ابن مضر، فكل من كان من ولد النضر فهو قريشي دون ولد كنانة ومن فوقه. وقال صاحب العباب: وينقض هذين القولين قول ابن الكلبي، لأنه المرجوع إليه في هذا الشأن، وهو أن قريشاً اسمه فهر بن مالك بن النضر. وفي تسميته قريشاً سبعة أقوال: أحدها سموا قريشاً لتجمعهم إلى الحرم. ثانيهما: أنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها. ثالثها: أنه جاء النضر بن كنانة في ثوب له، يعني اجتمع في ثوبه فقالوا: قد تقرش في ثوبه. رابعها: قالوا: جاء إلى قومه فقالوا: كأنه جمل قريش أي: شديد. خامسها: قول ابن عباس لما سأله عمرو بن العاص: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تسمى قريشاً لا تدع دابة إلا أكلتها، فدواب البحر كلها تخافها، قال المشمرج بن عمرو الحميري: الخفيف وقريش هي التي تسكن البح *** ر بها سميت قريش قريشاً سادسها: قال عبد الملك بن مروان: سمعت أن قصياً كان يقال له القرشي، لم يسم قرشي قبله. سابعها: أنهم كانوا يفتشون الحاج عن خلتهم فيسدونها . ويعلم من هذه الأقوال أن كون قريش أباً إنما هو على القول الثالث والرابع والسادس. وأنشد بعده: جذب الصراريين بالكرور على أن جمع التكسير لا يمتنع جمعه جمع سلامة، فإن الصراري جمع صراء وهو جمع تكسير، وقد جمع على الصراريين جمع سلامة. وتقدم ما فيه مشروحاً في الشاهد الحادي والعشرين فراجعه. وأنشد بعده: وهو
|